الجمعة، 12 أكتوبر 2018

خدعة الملاك... إستهبال غير متقن!


 أتفرجت علي فيلم The Angelالمثير للجدل لعدة أسباب، وفي تناول الفيلم صعب جداً علي إني أفصل بين تحليلي للفيلم (كفيلم) و الأحداث التاريخية اللي بيتناولها بصفتي قريت شوية عن الفترة دي ومهتم عامةً بالتاريخ. لكن هحاول... 

سينمائياً...

الفيلم جميل من حيث الصورة، والديكور والملابس نجحوا يحسسوك بحقبة السبعينات، وحتي الكادرات حلوة بدون فزلكة والإيقاع مش بطال. 
من الحاجات الإيجابية جداً في الفيلم إنه نجح كفيلم Spy Thrillerرغم إنه  إتكلف ١٢ مليون دولار بس، يعني بميزانية تعتبر ربع ميزانية فيلم من نفس النوع زي Argoاللي أتكلف ٤٤ مليون دولار. 
لكن واضح إن الفيلم كان ملئ بأتيتيود ال (معلش محدش هياخد باله). 

من أكبر العيوب اللي في الفيلم (سينمائياً) هي اللغة المستخدمة في الحوار. تخيلي لطريقة كتابة الحوار هو إنه أتكتب بالكامل (حتي الحوارات اللي بالعربي) بالإنجليزية، وبعدين في قعدة علي قهوة جابوا حد مصري قالوله والنبي (ترجملنا) البقين دول بالمصري (و بليز زود القفشات المصري عشان تبقي محبوكة). فا نتج حوار مفتعل كله إكليشيهات. وفي رأيي هما مكانوش مهتمين بالمتفرج العربي فا قالك الأوروبي والغربي هينبسط بأي حاجة فيها خ وش و ح فا عبيله أي ديالوج وهينبسط. 
 كان المفروض يكون في كاتب من أصل مصري يكتب حتي الجمل ب composition مصري عشان حتي تعوضنا عن اللهجات السورية، والشامية، والعراقية، والأجنبية، اللي بتنط بفجاجة من بق كل ممثل عمل دور مصري فا خرجت كلها علي طريقة (أنا بافهام عارابي كيوايس وزورتيلهرمعلفكرة)!!

أهم عيب في الفيلم هو عدم منطقية شخصية أشرف مروان
-      الشخصية تاريخياً من أكتر الشخصيات المعقدة والمحيرة، واللي محدش عارف سرها لحد النهاردة، وكل طرف بيتنازع علي إن الشخصية القوية المثيرة للجدل دي كانت تعمل لصالحه. بينما الفيلم قدمه كشخص مهزوز مرتبك متردد وخايف، وحتي صوت "لهاثه المرتبك" اللي بيعبر عن حالته النفسية كان يا إما صوت لهاث واحدة ست أو واحد بيبكي بصوت رفيع جداً! في الحالتين بروز ضعف شخصية غير منطقي عند شخص المفروض إنه شغل منصب حساس جداً، و لعََبْ جهازين مخابرات عالشناكل. لو كان ضعيف ومهزوز بالشكل ده مكنش هيبقي  محل ثقة عبد الناصرإنه يجوزه بنته الكبيرة ويقعده علي مائدة صناعة القرار ويطلِعُه علي تفاصيل سرية، ومن بعده يحوز علي ثقة الساداتويبقي سكرتيره الخاص للمعلومات في وقت البلد فيها بتتقسم والساداتبيشك في كل من حوله. صعب جداً شخصية مهزوزة وضعيفة ومحملة بعواطف وأهواء تتحط في أماكن حساسة زي اللي حطه فيها جمال عبد الناصر والسادات. (لكن متهيألي هما قصدوا ده لغرض ما في قلب يعقوب هنجيله كمان شوية). 

صناع الفيلم عايزينك تحب أشرف مروان... وتتعاطف معاه...
الفيلم بيحاول يخلق مبررات ودوافع لأشرف مروانتخليه يخون بلده ويتصل بالسفارة الإسرائيلية في لندن ويعرض خدماته. ورغم إن تاريخياً المكالمة فعلاً حصلت إلا إن الدافع وراها محدش عارفه لحد دلوقتي، مصر بتقول أشرفكان عميل مزدوج وكل المعلومات اللي سربها كانت بتخطيط مخابراتي مصري لكن إسرائيل بتقول إنه كان عايز يساعدهم فعلاً. ليه؟

في مقابلة تليفيزيونية مع واحد من ظباط الموساد سألوه "إيه اللي يخلي حد يتعاون معاكم ويشتغل جاسوس؟" رد الراجل وقال: "المرض، لو هو مريض وعايز يتعالج. أو الفلوس، أو حب المغامرة". 
بس أشرف مروانمكنش مريض، ومكنش ناقصه فلوس، وموجود في أقرب دواير صنع القرار وحياته كلها مغامرة وحركة! طب يبقي إيه الدافع اللي إسرائيل بتقوله إنه ورا تعاون أشرف مروانمعاهم؟ 

ده سؤال مهم الفيلم مجاوبش عنه بشكل كافِ ولا حتي يقرب للمنطق من بعيد... 

 مبررهم الوحيد إنه كان "إنسان". بس كدة. لأنه كان "إنسان" أيوة بس كدة. والفيلم بيصر علي رسم صورة "طاهرة ملائكية لمروان" اللي كان عايز طول حياته ينقذ البشر من الموت وعذاب الحرب. أه بس كدة. 

الفيلم بيفرد الصورة دي (الملاك الطاهر) وبيبرر لأشرف مروانعن طريق كذا موقف وكذا مشهد: 
1-       في أول مشهد في الفيلم أشرف(الشخصية المهزوزة المضطرب) بيزعق وبيطيح في عبد الناصر(عبناصر...هاه، عبناصر أيوة بيتزعق فيه واخبالك؟) وبيقوله قدام جنرالاته إنه لازم يخلق حوار مع الأمريكان ويفكه من السوفيت! ولما عبد الناصركسفه أشرفزعل وأتضايق إنه أتهزق، وضيف علي ده إنه سمع عبد الناصربيقول لمنيبنته أنا هخليه يطلقك، وبكان هيقطع مصاريف الجامعة علي أشرف، فا أشرفملقيش بديل غير إنه يتصل بالإسرائيليين!!!! طب ما كان إتصل بالأمريكان يعرض خدماته؟ ليه يروح للعدو المباشر اللي كان هو أصلاً من مشهدين تلاتة كارههم وعايز يدخل أمريكا كوسيط للصلح أو لفض النزاع، يعني هو كان وطني لكن قلب علي مصر عشان جمال عبد الناصر شخط فيه و قاله عيب يا ولد متيجي تقف علي عربية الكبدة بدالي!!
2-       الفيلم بيصر علي تطهير صورة أشرفقدام المشاهد بأي طريقة، وحتي لو كانت غير منطقية. فينما أقر الفيلم بإن أشرف مروانكان بيعيش حياة الإبن الضال في لندن، ما بين كباريهات وقمار وستات، إلا إنه كان مُخلِص لمنيورفض كذا مرة التحرش اللي تعرض ليه يا عيني من الممثلة "دايانا ديفيز" لأنه كان بيحب منيولا يمكن يخونها. (أنا مبعملش جاسوسية إلا في سياق الدراما لكن أخون مراتي لأ).
3-       الفيلم بيعرض منين جت الفكرة لمروانإنه يكون عميل، وجت الفكرة ليه وهو بيسمع محاضرة في الجامعة عن الجاسوس الأسباني الأصل "جاربو" اللي لعب دور إنساني في الحرب العالمية التانية وأعتبرته كل من إنجلترا وألمانيا بطل قومي. مش عارف حقيقي المحاضرة دي كان إيه سياقها وأشرف مروانكان بيدرس بكاليريوس "علوم" في إنجلترا!!بوووووووووووووم. ممكن تكون محاضرة سياسة خدها كريديت أورز دواعي تخرج مثلاً... جايز!
4-       القصة اللي كان بيحكيها أشرف مروان لجمالإبنه دايماً عن الولد الراعي اللي نده ذئب ذئب مرتين لحد ما أهل القرية مصدقوهوش، وبعدين لما جه الذئب مرة تالتة نده بجد فا مجوش وأكل الذئب كل القطيع، إيه لازمتها؟ القصة مُقحمة علي قصة الفيلم عشان تضفي بُعد علي شخصية أشرف مروانلكن عشان تقول إيه؟ هو كان الولد اللي كذب؟ ولا كان الناس اللي مصدقتش التنبيه المخلص فا إتاكلت قطعانهم وخرفانهم؟ ولا هو كان بيتنباً علي مصير إسرائيل وخايف عليها وخايف لا ميصدقوهوش لما ييجي يبلغهم بالخطر؟ صوته وهو بيروي القصة لإبنه والإضاءة الخافتة الدافية والموسيقي اللي في الخلفية ونظرة الرعب اللي في عينيه جون سينمائي، حاجة شنوووووووو هاااااااداااااااععععععععع.... بس في السياق وبالمنطق وبال VARأوفسايد...!! 
5-       بالمنطق، وبالمنطق فقط. لو كان الدافع عند أشرف مروانهو خوفه من عبد الناصر، فا عبد الناصرمات (اللي حابسك خلاص مات). إيه اللي يخليه يكمل تعاون مع الإسرائيليين في وجود الساداتاللي أزاح سامي شرف وعلي صبريوكل أعوان جمال؟ طب ده لو أشرف مروانكان بيعارض جمالعلني كدة عيني عينك كان ده كارت لوحده كفيل إنه يخلي الساداتيشيله في حبابي عينيه. ليه بقي يكمل مع الإسرائيليين ضد مصر؟ 

غلطتين فادحتين: 

1-                في مشهد أشرف مروان ساب عزاء جمال عبد الناصر وطلع يفتش مكتبه، فا حس بخطوات بتقرب فا إستخبي تحت المكتب، دخل سامي شرف المكتب يبص بنظرات مريبة وقبل ما يقفش أشرف مروان تحت المكتب خبط الباب ودخل ظابط بيقول لسامي شرف: "سامي...عبد الناصر عايزك ضروري". 
2-                أشرف مروان حصل علي بكاليريوس علوم من لندن سنة ١٩٦٥، وجاله خبر وفاة عبد الناصر وهو في قاعة المحاضرات مع إن عبد الناصر مات سنة ١٩٧٠!! بس برضه مش دي المشكلة، في مشهد في قاعة المحاضرات، محاضرة مهمة جداً فيها الدكتور بيعلم طلبة بكالريوس العلوم، إزاي يستهجوا كلمة "بوتاسيوم" من غير أخطاء إملائية!! 

إجمالاً... الفيلم ملئ باللامنطق... والدوافع غير مبررة وغير واضحة للشخصية الرئيسية اللي بتحرك الأحداث. وكمان الفيلم مقدمش جديد ولا قدم إجابة مقنعة عن واحد من أهم سؤالين بيطرحوا كل ما ييجي اسم أشرف مروان، ألا و هو حقيقة إنتماؤه، وتجاهل تماماً الرد علي السؤال الأهم، مين قتله؟

الفيلم، تاريخياً.

1-                أولاً زيارة عبد الناصرللندن اللي فيها حصلت خناقته مع أشرف مروانواللي بني عليها المؤلف دوافع الشخصية محصلتش. أيوة الزيارة تاريخياً محصلتش. بوووووووووووووووووم!!
2-                الفيلم بيقدم أشرف مروانبكل بجاحة علي إنه هو صاحب فكرة الحرب علي إسرائيل، ثم حرب الإستنزاف، ثم معاهدة السلام. هو اللي قدم الباكيدج كلها للساداتوالساداتساعتها هز دماغه وقام راح منفذ علي طول توجيهات أشرف. ودي مش بس مغالطة تاريخية قحّة، لكن كمان إستهبال رسمي. لأن أشرف مروانبكل خبرته الغير عسكرية ميقدرش يطلع بربع التخطيط الجهنمي ده، وإلا يبقي نبي كمان! أنا أتصور وأقبل إنها كانت فكرة الساداتبلؤمه المعروف وبفكره الإستراتيجي ودهاؤه السياسي. لكن إسرائيل قدمت أشرف مروانكدة علي بعضه في صورة الملاك المهندس اللي لأنه كان إنسان راح خان بلده ودبر حرب بين مصر وإسرائيل وراح بلغ بيها إسرائيل عشان تستعد فا متتهزمش قوي فا ترضي غرور الساداتوالعرب لكن في نفس الوقت متنتهيش ومتتهزمش فا يقدروا يقوموا ويعملوا معاهدة سلام. كومبو بيبسي وبطاطس ودوبل معاهدة سلام تشيز برجر. 
الصراحة قصة الذئب تتصدق أكتر من القصة الخيالية دي. 

لو صحت رواية أن أشرف مروانسلم الساداتأدلة إتهام سامي شرفوعلي صبرياللي لقيها وهو بيفتش مكتب حماه رئيس الجمهورية والناس تحت بتاخد عزاه، فا أعتقد ده ميخليش الساداتبشخصيته وسطوته وديكتاتوريته المعروفة - يثق فيه للأخر ومتعديش عليه ساهية لا ناهية وأكيد أشرفكان هيقع في أخطاء تخلي الساداتيعرف إنه هو الخاين اللي بيبلغ عنه. 
الساداتكان معروف إنه ميعرفش أبوه، وياما صفي معارضيه سواء في الجيش أو المعارضة وحتي حلفاؤه، فا لو كانأشرف مروانجاسوس فعلاً وبلغ إسرائيل بساعة الصفر، هل كان الساداتهيرحمه؟ ده إترقي وبقي سفير مصر في إنجلترا بعد حرب ١٩٧٣!

في الأخر كلها تكهنات ومحاولات للإستنتاج والفهم، وأعتقد مش هنوصل لحل لغز أشرف مروانو محدش هيقدر يفك طلاسمه. السر إندفن معه للأبد من بعد ما وقع من بلكونة لندن اللي بيقع منها - بالصدفة - كل الناس المهمين. أشرف مروانكان هينشر مذكراته لكن أتقتل قبلها بيوم وأتقتلت معاه أسراره. وده برضه الفيلم غفل عن ذكره. 

الأكيد إن إسرائيل إتفاجأت بحرب ٦ أكتوبر، حتي لو مفاجأة جزئية، والأكيد إنها أتضرت جامد، حتي لو بالعبور المصري فقط. ودي حاجة أكيد مكنتش إسرائيل هتعديها ولا هتغفرها لأشرف لمروانبالساهل. فا ليه بقي إسرائيل مصرة تحطه في صورة الملاك البرئ اللي أنقذها؟ السؤال ده بيرد عليه "روني شاكيد" المحلل بجريدة يديعوت أحرونوت للشئون العربية الإسرائيلية في كلامه عن الجاسوسة اللبنانية الإسرائيلية شولا كوهينفي الفيلم التسجيلي اللي أتعمل عنها لما قال نصاً: "إن مش مهم المعلومات اللي كانت بتوصلهالنا، لكن النجاح الأكبر و الأهم هو الفخر إن إسرائيل قادرة تخترق العرب وتزرع جواسيس وتتواصل معاهم في قلب الدول العربية، وكان ظباط الموساد بيروحوا لبن جوريونرئيس الوزراء الإسرائيلي ويقولوله بفخر إحنا عندنا جواسيس في قلب لبنان"

فما بالك بالمكاسب المعنوية اللي إسرائيل بتحققها لحد دلوقتي لأنهم عارفين إن الناس بطلت تقرا وتعرف الحقايق وبقت تستقي معلوماتها من الأفلام - لما تفضل تقول معلومة إن "جوز بنت جمال عبد الناصرإتصل بينا وقال عايز أشتغل معاكو وأساعدكوا".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق