الثلاثاء، 24 أكتوبر 2017

الشيخ جاكسون.... إتحنسنا!

"إتحنسنا"

الشيخ جاكسون براعة إختيار موضوع، و قصة ذات بعد إنساني يضرب علي وتر ذكريات جيل بأكمله يجعلك تنجذب للقصة رغم بعض الأخطاء و الإحباطات التي لا يمكن إغفالها في السرد....


دعنا لا نغفل أن نذكر أنه كان هناك إحساس بالسعادة و أنت تجلس في قاعة سينما في لندن تشاهد فيلماً مصرياً يعرض ضمن فعاليات المهرجان السينمائي الأكبر في دولة الملكة الأم. تلك السعادة التي دعمتها الذكريات التي أنعشها الفيلم بذكره لمرحلة مر بها كل المحظوظين الذين ولدوا بين سنة ٨٠ و ٨٩....! إن سحر النوستالجيا لعجيب! و هذه أول نقطة تُحسب للفيلم!
لكن هل هو فيلم ولد ليعيش و يبقي طويلاُ؟ هل إختيار "مايكل جاكسون" و فترته يمكن أن يشكل عامل جذب لفئات لم تولد في تلك الفترة الزمنية ولا يمثل لها "مايكل جاكسون" شيء ذا قيمة كبري كالتي هي عند مواليد الثمانينات؟

تعليق عمرو سلامة، و معظم الحاضرين أتفقوا علي أنهم أحبوا الفيلم لكونه مرتبط بذكريات خاصة لديهم عاصروها في تلك المرحلة!
لكن ماذا عن فئات عمرية و شرائح مجتمعية أخري؟ هل يعد الشيخ جاكسون فيلماً يثير إهتمامهم؟

حظيت بمتفرجين غير مصريين عن يميني وعن يساري في قاعة السينما، رأيت فيهم شغفاً لمعرفة كيف هي الأمور بمصر، ذلك البلد المحافظ الذي رأوه عبر شاشات التليفيزيون غارقاً في صراع مع ذوي اللحي و الجلباب و سيدات يغطيهن السواد ولا يظهر منهن أكثر من عيونهن! رأيت في المتفرجين عن يميني و عن يساري توقاً لفهم التركيبة المختلفة للمجتمع المصري، و الصراع الدائر بين طبقاته و شرائحه العمرية و توجهاته التحررية و الدينية المتزمتة! كان هذا عامل جذب لهم! و رأيتهم متفاعلين مع النكات و كوميديا الموقف التي كانت غير مبتذلة و غير متكلفة بعكس عديد من الأفلام التي تنز من شاشات التليفزيون هذه الأيام! و لكن....

خيب الفيلم أمالي الشخصية في عدة نقاط لا أستطيع إغفالها رغم الإيجابيات الواضحة

فمن إيحابيات الفيلم بعض العوامل البصرية المهمة التي لاقت تفاعلاً جيداً من الجمهور و شكلت عناصر مشوقة مثل:
     خاتم الحسنات و السيئات... إختيار بصري رائع لإبراز الصراع النفسي داخل البطل، تفاعل معه الجمهور مصريين و أجانب منذ اللحظة الأولي و أضفي طابعاً درامياً و كوميدياً في بعض الأحيان!
     أجرأ مشهد في الفيلم علي الإطلاق وهو تطور و تحول حركات الصلاة في الجامع إلي رقصة جاكسون! أرفع القبعة!
     إختيار مكان نشأة خالد في الأسكندرية المطلة علي البحر بكل ما يمثله من فرص و حرية و إنطلاق و روح، و فيها نما حب خالد لجاكسون و تشكلت أحلامه، ثم مجيئه إلي القاهرة الخانقة المزدحمة الخالية من الروح لتتحول فيها شخصيته إلي الشيخ المدقق المتزمت.
     ناهيك عن الأداء التمثيلي الرائع من المتميز دائماُ ماجد الكدواني، و طبيعية أحمد مالك و الإختيار الموفق لأحمد الفيشاوي كبطل للفيلم الذي دعمه قصة و شخصية الفيشاوي نفسه و إنطباع المصريين عنه خارج الفيلم.

مما لا شك فيه أن التسويق الداخلي و الخارجي للفيلم من أهم أبطال العمل، فتحية أيضاً للمنتج محمد حفظي علي المجهود المبذول لتسويق فيلم مصري في أسواق عالمية، و لعل هذه مشكلة تعاني منها معظم أفلامنا، أنها لا تحظي بتسويق خارجي جيد في معظم الأحيان.

أما عن السلبيات فمعظمها يتعلق بالسرد و عناصر بناء القصة... هناك نقاط هامة في عناصر بناء الفيلم تم إغفال تغطيتها بالشكل المناسب، فعلي سبيل المثال:

-       السرد كان مربكاً بعض الشئ نتيجة إختيار طريقة القطع بين ثلاثة أو أربعة أزمنة طوال الوقت، فقد بدأنا بخالد مع طبيبة نفسية يشكوا لها من حالة نفسية أصابته منذ فترة منعته من البكاء، و منها يبدأ تقطيع بين ثلاثة مراحل زمنية مختلفة في حياة خالد (طفل – مراهق – بالغ) و منهم نعود بعض الأحيان إلي خالد مع طبيبته النفسية. ربما لو تم السرد بشكل أكثر تبسيطاً لقل الإرتباك إلي حد ما، لكن للإنصاف لا تستطيع أن تقول إنك لم تفهم الفيلم أو السياق، لكن السؤال هو لماذا تم إختيار هذه الطريقة رغم أنها لا تفيد نوع الفيلم؟
-       فالفيلم درامي، و التقطيع بهذا الشكل لم يكن الفيلم بحاجة له بشكل أساسي ليساهم في مضمونه، لعل هذا الأسلوب قد يفيد في نوعيات أخري من الأفلام مثل الجريمة و الألغاز... لكن في الدراما؟ أشك!
-       نقطة تحول خالد الأهم، ال turning point التي فيها تحول من مراهق مبهور بمايكل جاكسون و كل ما يمثله إلي شاب متزمت ملتزم متدين! ما الذي حوله من أقصي اليسار إلي أبعد اليمين؟
هناك إشارة في غاية الضعف لهذه النقطة، ربما تكون هي و ربما لا تكون، لكنها لم تكن بالقوة الكافية لتبرر هذا التحول أو حتي لتؤكد أنها هي تلك النقطة التي يريدها صناع الفيلم أن تكون. أهي تلك اللحظة التي رأي فيها خالد المراهق حبيبته شيرين تستعمل بخاخ لتسليك الشعب الهوائية كالذي أستعملته أمه قبل وفاتها، ثم رؤيته للنار المتقدة في الشارع ليستدفئ بها المارة في نفس اللحظة؟ هل خوفه من الوفاة و النار هو ما أدي به إلي هذا التحول؟! ربما.... لكن و إن كانت تلك هي نفطة التحول، فقد جانب صناع الفيلم التوفيق في إبرازها بشكل أوضح و تدعيمها بشكل مناسب!
ناهيك عن أنها تأتي متأخرة للغاية قبيل نهاية الفيلم بحوالي خمسة عشر دقيقة!

-       نقطة التحول الثانية التي كانت غير واضحة الأسباب، و هي عودة خالد من الشيخ المتزمت المتدين إلي ما دفعه لأن يصرخ في وجه خاله أنه لا يريد أن يكون منافق و يريد أن يتصالح مع نفسه أولاً، و في مشهد أخر يندفع بكل عنفوان ليقبل الفتاة التي كان يحبها وهو شاب مراهق! ما الدافع؟ و أين هو البناء المنطقي الذي من المفترض أن يقوده إلي مثل هذه المواجهات المباشرة؟! للأسف لم يتم بناء جيد للوصول بالبطل لهذه اللحظة.
ناهيك عن أن خالد كان يعاني من ظهورات جاكسون المتكررة التي عكرت صفو حياته المستقر وهو ما أكدته الكوابيس و صراعه و ضربه لشبيه جاكسون في حلمه! فكان بالأحري ألا يجنح لما ال به الحال من عودة للبحث عن بدلة جاكسون و قبعته و الرقص مجدداً في أخر الفيلم! هناك تحول غير مفهوم في شخصية البطل و دوافعه و النتائج التي وصل إليها!

-       هناك أسئلة ظلت بلا إجابة و لم يحدث pay off  يرضي المشاهد ولا أعلم كيف غفل عنها صناع الفيلم، منها:

1- ظللنا طوال الوقت بإنتظار لحظة بكاء خالد! فعندما يفتتح الفيلم ببطل القصة و صراعه مع البكاء، فمن الضروري أن يتم إشباعنا بصرياً و درامياً بإجابة لهذا السؤال! و للأسف مرت هذه اللحظة مروراً خاطفاً!

2- صناديق الملابس و الأطباق الذي ظلت أمينة خليل (عائشة) (عايشة) (عائش) – هكذا ظل يناديها خالد طوال الفيلم – ترجوه لكي يقوم بتفريغها! ما الغرض الدرامي منها؟ هل المقصود هو إلقاء الضوء علي حالة عدم الإستفرار النفسي التي يمر بها البطل؟ ربما! لكنها كباقي النقاط لم تكن مؤثرة و غير واضحة و غير منطقية و لم نعطي إجابة مشبعة عنها في النهاية! ناهيك عن صعوبة هضمها منطقياً لأنه كما هو واضح من الفيلم أن الأسرة مستقرة في الشقة نوعاً ما منذ فترة، فكيف بنا نري الشقة مرتبة فيما عدا صندوقين من الأثاث؟!

3- هناك نقاط تلاقي كثيرة بين قصة البطل و أغاني مايكل جاكسون كان من الممكن إستغلالها بشكل أفضل، فعلي سبيل المثال، إهتمام خالد بالقبر و عذابه كان نقطة جيدة لكابوس يهاجمه مرتبط بكليب Thriller  الشهير، بالفعل وجد جزء من هذا الكليب في أحلامه لكنه جاء متأخراً جداً في نقطة لا علاقة  أو ربط لها بالموضوع.

هناك نقاط إيحابية كثيرة في الفيلم و subplots   حمسنا صناع الفيلم لمتابعتها لرؤية ما قد تؤول إليه الأمور و لكن للأسف لم يحدث، منها:
1- لم يتم إشباعنا بصرياً و درامياً بمواقف و صراعات قد تنتج عن غزو مايكل جاكسون لعقل هذا الشيخ المتزمت الذي يقوم بقيادة الالاف إلي منهاج معين و أسلوب حياة منغلق بشدة، و إكتفي صناع الفيلم بأن يكون قمة هذا الصراع هو عبارات شك من مجتمعه المتزمت تجاهه (أنت فيك حاجة.... أنت مش كويس اليومين دول.... أنا ملاحظ أنك متغير.... فيك أيه) فقط!!
2- أكاد أجزم أن جميع من في الصالة كانوا متعطشين لرؤية ما قد تؤول إلي الأمور من تصادم هذين العالمين و ما قد ينتج عنه من صراعات درامية و مواقف كوميدية.... و لكن لم يكن...!
3- و مثال أخر، أن يكتشف الشيخ أن معالجه النفسي هو امرأة، كانت هناك مساحة جيدة لإبراز هذا القصة و إضفاء بعد جديد علي الأحداث علي حساب مساحات أخري كان قد يمكن إغفالها و لن تؤثر علي السرد. للأسف ظلمت هذه القصة رغم أنه كانت هناك تطلعات كبيرة لها.... و لكن هذا هو حال الشيخ جاكسون عامة... إستثارة حماسنا لأحداث قد تكون... قم تخييب أمالنا لعدم إشباعنا لما قد تقنا إليه... بالبلدي : "أتحنسنا"

خرج الجميع من العرض مبتسمين، فرحين بالعمل وما عزفه من ألحان علي ذكريات و مرحلة عمرية بروزها الشيخ جاكسون... أنا كدة... أنا كدة.... أنا حصل معايا كدة بالظبط.... كانت هذه العبارات تتردد في القاعة... و هذا يحسب للفيلم، قدرته علي التواصل عاطفياً و شخصياُ مع الجمهور... و لكن يجب ألا نغفل هفواته...


ختاماً.... عمرو سلامة رائع في إختياره لمواضيعه، دائماً سَبّاق في طرح مواضيع مثيرة للجدل، لكن أتمني أن يراعي تدقيقاً درامياُ اكثر في المرات القادمة...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق